زكرياء الفاضل
أعزائي الصغار اسمعوا نصيحة من سبقكم إلى عالم الكبار و تجرع حنظله جرعة جرعة، و أبحر في دنيا مظالمه بحثا عن بر الأمان، فلم يجد غير ما تلاوح له من سراب في أفق حلم لذيذ قطعته عنه مرارة الواقع، و جعلته يفقد إيمانه بالسندباد البحري و انتصاره المتواصل على الشر. كما جعلته يجحد بحب الإنسان لأخيه الإنسان، و يكفر بتوفّر الطبع الخيّر للنفس البشرية. فمسيرتي في هذا العالم، الذي لم أختره بمحض إرادتي و إنما أجبرت على زيارته خريفا في انتظار الشتاء، أقنعتني بأن السندباد وهم و خيال من وحي إبداع أثر فيه مفعول الخمرة، و أن الإنسان كائن أناني و نرجسي لا يحب إلا نفسه، و أن هذا المخلوق العجيب هو ذئب شرش يفترس كل مستضعف. لذلك أحبائي الصغار أوصيكم بأن لا تغادروا عالمكم الصغير البريء و أن لا تستعجلوا دخول عالم الكبار الموحش . أوقفوا الزمن..كبلوه بالأغلال.. نوموه بالمغنطيس .. تعرضوا لسيره بكل ما قد يتوفر لكم من وسائل .. لكن لا تتركوه يتقدم بكم نحونا نحن الكبار . ابقوا في عالمكم الساذج..
حافظوا على قلبكم البريء و روحكم الطاهرة.. ابقوا في دنياكم المليئة بالحب و الإيمان بالخير. إن مفتاح السعادة بأيديكم فلا تفقدوه بدخول فضاء الكبار. إن قلوبكم الآن مليئة بالورد و الريحان، و قد تعبونها بالحقد و الأنانية إن خدعكم الزمن بحيله و مكره و تركتموه يتقدم بكم. إنه عدو ماكر محتال إن تمكن منكم صاعكم و فرق بينكم و شتت شملكم و حولكم من آل آدم إلى آل الوحوش المفترسة كل منها يمشي في الأرض وحشا، فتصبحون غنما قاصية تتمكن منها العُقاب و الضباع. يا أبنائي إن عالمنا أدغال موحشة، البقاء فيها للأقوى، و لا مكان بها للرحمة و الشفقة و المحبة و الأخوة. صغاري الأبرياء أنتم الملائكة و أنتم البراءة و أنتم الإيمان و المحبة و أنتم الخير و البركة، فلا تسيروا على نهجنا و لا تجعلوننا قدوتكم مهما اعوجت شفاهنا لكم، في محاولة يائسة لتذكّر خيال ابتسامة ابتلعها طي النسيان منذ عصور .
أيها الصغار إنكم تضحكون و نحن نبكي، إنكم تحبون و نحن نبغض، إنكم أجساد تنبض أفئدتها حياة و نحن جثث تتحرك بغريزة وحشية.. فاختاروا طريقا غير طريقنا و عيشوا حياة غير تلك التي نحياها، و لا تغتروا بمظاهرنا الباهرة فالعين خداعة . اسألوا قلوبكم فهي تخبركم اليقين عن حالنا و أحوالنا. فنحن، يا صغاري، معشر الكبار قطعان ضالة تركض وراء شهواتها و تنصر غريزتها على عقلها و تتخذ من أوراق، سمتها بالنقدية، معبودا لها تفانت في حبه و أخلصت في عبادته و شيدت له معابد تحت أسماء اختلفت و تعددت باختلاف و تعدد صناديق و أبناك ما تسميه بالتنمية و ما هي بتنمية، و إنما غش و احتيال و اختلاس لأرزاق المستضعفين في الأرض. و قد قدمت هذه القطعان، و لا زالت تقدم، لهذا المعبود قربانا من دماء الأبرياء تحت راية العقيدة و الحرية و الديمقراطية.. أعزائي إن ضلال هذه القطعان لا يعرف حدودا، فهي أبت إلا أن تشارك من لا يشارك في قدسيته و أعلنت نفسها قدوسة منزهة عن ناموس الطبيعة، فانتشرت في الأرض كالجراد مفسدة ما لم تخلقه و مدلة من ولدتهم أمهاتهم أعزاء ..
صغاري، اسمعوا نصيحة مخبول غير عابد ما عبدته القطعان الضالة، و اعملوا بنصيحة مجذوب زاهد في معابدها اختلى أواصر الربط بينه و بينها بسيف لبّه و انقطع عن دنياها طمعا في البحث، بين دهاليز المعرفة المستعصية، عن الحقيقة التي ما بعدها حقيقة. فغوصوا في عالم القراءة، و أطلقوا العنان لخيالكم الواسع، و انعموا بطفولتكم الساذجة، و لا تطمحوا إلى عالم الكبار إنه ويل لكل ذي ضمير و فتنة لأهل الإيوان .