موضوع: سورة الواقعة رؤيا فلسفية الخميس 01 يوليو 2010, 14:18
" سورة الواقعة ، في رؤيا فلسفية " ( اذا وقعت الواقعة ، ليس لوقعتها كاذبة ، خافضة ، رافعة خلق الله سبحانه وتعالى الانسان ، وجعله في أحسن تقويم ، وهيأ له كل إمكانات الحياة ليعيش في هناء وسعادة في الحياة الدنيا ، وعليه إتباع تعاليمه تعالى ، وهوسبحانه ليس بحاجة الى مايؤديه المخلوق ، يقول ابو الهذيل العلاف (( . . . ولم يخلق الله الخلق لحاجة به اليهم ان خـَلـَقهم ، لأن خلقه لهم حكمة ، وانما أراد منفعتهم ))(1) ثم وجهه لأفضل الطرق وأحسن الأساليب ، ومنحه العقل الذي يرشده الى الخير لنفسه ولمن يتعلق به من قريب او بعيد ، من خلال إتباع السبل التي تؤدي به للرفاه والنعيم إبان حياته ، ومن ثم يتلقاه في فردوس جناته ، لينعم بحياة الآخرة،كل ذلك واضح،لكن الانسان الجهول يغمض عينيه ،ويقفل عقله وفكره، كي لايـُرشـَد الى الخير . ومن هنا لابد من الرجوع الى (( سورة الواقعة )) لقراءتها وتدبرها ، لمعرفة مضامينها ، برؤية فلسفية واقعية ، وعندها سيتوقف العقل عند كل كلمة وعبارة فيها ، ليجد انه في متاهة تقوده الى ما لايتمناه ، ان لم يتدبر السبل لرضى الله تعالى . فماذا هي الواقعة ؟ ولـِمَ يحذرنا منها تعالى عند وقوعها ، مع التأكيد على ذلك الوقوع ، وصدق مرامها في خـَفـْض الباغ ِ ، ورفـْع المؤمن الداع ِ . وهل هو الايمان بالقول حسب؟ أم انه متلازم بالعمل والفعل ، لما ينفع المخلوقات ؟ التي لابد ان ينتفع بما يقدمه للانسان ، سواء للمعاصرين له والقريبين من تواجده ، أم ممن هم التالين له من الأجيال التي تنتفع بعلمه محققا رفاهاً وسعادة، وبعدها إرثا ً لمن يطلبه ويحتاجه . انها مجموعة آيات متلاحقة مـُنذرة بمصير رهيب ، فماذا تعني عبارة اذا رجـّت الارض رجـّا ، وبست الجبال بسـّا ؟ أهي أرجوحة يتلاعب بها الهواء ؟ ام هي كارثة عظمى لايستطيع تخيلها ذو عقل راجح ، ممن سبق له ان سمع أو قرأ عن الكوارث الطبيعية . فهل تأمـّل القاريء عبارة (( فكانت هباءً منبثـّا )) أي صورة رهيبة تكون عليها الارض والجبال عند وقوع الواقعة ؟ !!! ومـَن هم الازواج الثلاثة ؟ انهم المؤمنون القانتون العالمون العاملون للخير ، لهم ولغيرهم هؤلاء في جمع إتـّخذوا صفة ( أصحاب الميمنة ) .[ يقابلهم جمع آخر ، تعمـّهم الفوضى والرعب والخوف والهلع ، وهم يتخبـّطون خـَبط عشواء ، ولامغيث لهم ، ولاينفعهم بعد ذلك رجاء العودة ، كي يكفـّروا عما فعلوا ، وقد و ُصفوا (بأصحاب المشئمة ) . ]جمع ثالث ، لهم المقرّ الدافيء ، والمكان الواسع ، تظللهم اشجار وارفة ، في جنات نعيم ، هؤلاء الجمع هم الموصوفون بـ ( السابقون السابقون ) حتى لـَتـَخالهم قلـّة قليلة من الآخرين ، فمن يكون اولئك ياترى ؟ أهم العلماء ، وذوي الرأي والفتوى الشرعية المؤدية بالإنسان ان يسلك طرق الخير للإنسانية ، فيما يقول ويدعو للورع والتقوى ؟ او ممن إعتكف في مصلاه يرتـّل الآيات الكريمة ، ويعمل بها ويدعوا اليها ، ويتهجد آناء الليل وأطراف النهار ؟ أم هناك آخرون معهم ، أمثال العلماء العلميين ، وممن لم يكن قد ضحى بساعة من وقته ،ليدعوللتقوى والفضيلة ، بل إعتكف في مختبره ليعمل على صنع ما يـُسـَهـّل للبشرية إداء أعمالها ، او يحافظ على صحتها ، او يقر ّب المسافات البعيدة ، فيما يصنع من أدواء وأجهزة ، تخدم الانسان في مواصلاته وإتصالاته وأعماله الحياتية اليومية ، صغرت أم كبرت في إدائها ؟ او من الفلاسفة ، اذ وجدنا ان(( اخلاق افلاطون تتميز بالزهد والنسك ، الذي يتحلـّى بها ذوو الطبقة المختارة التي تعيش حياة فاضلة ، شريفة ، عاقلة . . . وليس الضرورة ان تكون الاخلاق حـِكراً على الفلاسفة ، اذ توجد عند أناس غرباء عن الفلسفة ، وهؤلاء يضعهم افلاطون في فردوس خاص بهم ، في ارض طاهرة ، يتوجب على الفلاسفة ان يحتلوه ، كي يظلوا طيلة حياتهم عازفون عن ملذات الجسد ورغباته . . )) (2) . انها نعـَم إلهية أ ُسبغت على الانسان،قال تعالى((وعلمنا الانسان ما لم يعلم )). هؤلاء هم السابقون السابقون ، الذين انتبهوا ليستريحوا على سرر موضونة ، متقابلون على الارائك ، حتى كانت مكافأتهم ان يقوم على خدمتهم ، ِولدان مخلـّدون ، مختارون ، ليطوفون عليهم بأكواب وأباريق وكأ س من معين ، (( فرَوح وريحان ، وجنات نعيم )) وهي السعادة عند أصحابها (( فالسعادة اذن هي الغاية القصوى للإجتماع البشري ، على ان يكون ذلك الاجتماع بتراتب منتظم صالح ، هدفه إسعاد الامة ، بعيدا عن الشرور )) (3) .هلاّ توقفنا قليلاً عند هذه الصور الجميلة ، ربما يكون هناك ( معاند ومجادل ) ليد ّعي ان في هذه الحياة الدنيا ، ميسورة الكؤوس والأباريق والفاكهة المختلفة الانواع ، ولحم الطير وما تشتهي الأنفس ، وميسور أيضا ً ما يتواجد من فتيات وبأحسن صور وهندام ، وما اليها من مواصفات ، وميسور ايضا حصول الهدوء والسكينة التي لايتخللها ( لغو ولا تأثيم ) ، وممكن جعل الحوار الذي يدور بين هذا الجمع مقتصرا ً على ( السلام السلام ) . ان صح ّ ذلك عن المجادلين ، فهي اذن مكابرة ما بعدها مكابرة ، ذلك ان مـَن يتوفر له ذلك ، لابد له من صحوة عن حلم كان يعيشه ، ليناله بعده الحسرة على ما سيلقاه من مرض ، وخسارات وهموم الدنيا التي لن تنقطع الاّ بموته ، الذي سيحشر بعده ضمن جمع (( أصحاب المشئمة )) . ولعلنا نرى فيما رآه الفلاسفة جميعا ، إسلاميين وغير إسلاميين ، اذ (( يرى ابن عدي ان ما يكون من إختلاف في أخلاق الناس يرجع الى الاختلاف في قوى النفس الثلاث ، التي وصف أحدها ، بانها النفس الشهوانية التي تنطوي على رغبتها في المأكل والمشرب والمباضعة ، حتى لـَتكون هي المسيطرة ، والموجهة لصاحبها نحو الرذيلة ،ويكون همه تحقيق الشهوات الجسمية ، عند ذاك يقل ّ حياؤه ، ويكثر خر َقه ، وينقاد الى مجالسة أهل الخلاعة والمجون والمجتمعات الفاسدة ، مبتعدا ً عن مجالسة أهل العلم والفضيلة ،وتصير حالته الى الهزل،وكثرة اللهو والفجور ، وارتكاب الفواحش )) (4) . هنا نجد الفرق قائما بين هؤلاء ( أصحاب المشئمة ) وأولئك ( السابقون ) الذين هم يعيشون أبدا ً في سعادتهم ، ليس بعدها إستيقاض من حلم ، او خسارة تنالهم . ومعهم ( أصحاب اليمين ) الذين وجدوا مكانهم تحت ( الظل الممدود والسدر المخضود ، والطلح المنضود ) يتوسدون ( الفرش المرفوعة ) وليتمتعوا بمن أنشأهن الله تعالى خصيصا ً لهؤلاء(أبكارا ً عرابا ً أترابا ً ) . هذه صور زاهية ، يتمناها المرء ، لكن عليه العمل في حياته ، لما فيه الخير للإنسانية كي ينعم بها . (( وأما ان كان من أصحاب اليمين ، فسلام لك من أصحاب اليمين )) .تقابل تلك الصور،صور اخرى مخيفة،تعكس ملامح (أصحاب الشمال/المشئمة ) الذين نتخيلهم ، تتقاذفهم عواصف من السموم والحميم ، حتى تكاد جلودهم تنسلخ عن اللحوم ، وهم يرقدون في ظل من يحموم ، يبحثون عن نسمة باردة ترطب عليهم أنفاسهم ، ولايجدون .هؤلاء هم أصحاب الرؤى الفاسدة ((فأنهم لم يكونوا قدعرفوا السعادة اوفكروا بها ، او سعوا اليها ، ولو تسنى لمصلح ان يوجههم اليها ، لم يكونوا ليعيروا له اهتماما ، ولاحاولوا تجربتها ، ذلك في حسبانهم لأمور مادية ، انها هي الغاية التي يبغونها ، ظانين انها خيرات الحياة النهائية ، كسلامة البدن والتمتع با للذات وإطاعة الشهوات )) (5) ولم يكن الفارابي قد غفل هذه الناحية ضمن فلسفته ، اذ قال (( والسعادة العظمى الكاملة ، هي اجتماع هذه كلها ، وأضدادها هي الشقاء ،وهي آفات الابدان والفقر،وان لايتمتع باللذات،وان لايكون مخلي هواه،وان يكون مكرما )) (6) . ولوسألت أولئك ( أصحاب المشئمة ) عن ماذا عملتم وفعلتم ليكون مصيركم على مانرى ، سيقولون: اننا نادمون على ماكنا نصر على الحـِنث العظيم ، وكنا لم نؤمن باننا بعد موتنا سنـُبعث مرة اخرى،لاننا لم يسبق ان رأينا من آبائنا مـَن عاد بعد موته ، او بـُعث ليخبرنا بما لاقاه ورآه . وسيؤكدون بانهم كانوا يستهزءون ممايسمعون من نـُصح وتحذير أكدت عليه الآيات الكريمة ، المنذرة بهذا اليوم الموعود ، وسيقولون: لم نصد ّق اننا وآبائنا سنجتمع في هذا(الميقات المعلوم) لذا فإننا الان أكـْلـُنا من الشجر الزقوم ، التي تملأ بطوننا ، ونشرب بعدها من الحميم كما تشرب الهيم،لاننا كنا ضالون مكذبون بما أُنزل على صدررسول الله (صلوات الله عليه ) .اذن ايها الضالون المكذبون،لقد قرأنا في آيات القرآن الكريم،انكم ستبقون أبدا ّعلى هذاالحال والمعاناة .ألـَم يـَد ُر بخلدكم انكم قد خُلقتم بأمر إلهي،لم تعلموا عنه شيئا ، ولن تعلموا . حقا انكم عرفتم كيف وُلـِدتم كنشأة متكاملة ، لكن غفلتم عن صانعكم وخالقكم . أمـَا تخيـّلتم الزرع الذي كنتم تزرعون ، فهل لكم القدرة على إنباته ونموه ، أم ان الله سبحانه هو الذي جعل نموه وإثماره بقـَد َر وإرادة كما شاء ، فهل سبق علمكم بان بعض الزر ّاع يجنون فيضا ً من الثمار ، وآخرون يصيب زرعهم الحطام،وتصيبهم الخسارات الكبيرة لسبب أراده الله تعالى لهؤلاء . ثم هلا ّ تدبرتم قطرات المطر ، وكيف تتكون لتنزل على الارض ، منها مايـُنبت الزرع ، ومنها ما يؤدي الى كوارث ، تعجزون عن درئها ، ومن المطر ما يترك أرضا ً ، ويعاف النزول عليها ، فهل تدبرتم هذه القدرة العظيمة ، لهذا الصنع ، وهذا العطاء ، وهذا المنع ؟ انه امر ، كان يتطلب التوقف عنده ، والتفكر به ، قبل نزولكم ضيوفا هنا ، ان هو الا ّ (( نزُل من حميم ، وتصلية من جحيم )) في مكان لا سرر فيه ولا نعيم ، فابقوا اذن ايها المكذبون . ولعلنا نرى من يقول : ان الله اراد ذلك لنا ، ولوشاء لهدانا الى الخير ، معتمدين قوله تعالى (( لو شاء لهدى الناس أجمعين )). وغفلوا ان الله تعالى قد أوضح للمخلوق السبيل بقوله سبحانه (( انا هديناه السبيل ، اما شاكرا واما كفورا )) ، وعلى المخلوق ان يتبع طرق الخير ليـَحـْصـُل له الثواب ، وفي النهاية يتمتع بالجنات والنعيم . ومن اتبع طرق الشر والفساد ، سيناله العقاب ، ومن ثم يكون مأواه جهنم وسوء المصير . قال شيخ المعتزلة واصل بن عطاء (( ان الباري تعالى حليم عادل ، لايجوز ان يـُضاف اليه شر وظلم،ولايجوز ان يريد من العباد خلاف ما يأمر،وان يحكم عليهم شيئا ، ثم يجازيهم عليه )) (7) .وآخر آيات السورة نقرأ ان الله تعالى قد أقسم بمواقع النجوم ، وأكد على عظمة هذا القسم ، الذي لايعلمه كثير من الناس ، فقد أشار سبحانه الى ان القرآن هو كريم مكنون ، ليس لغير المطهرين ان يمسوه ، لأنه منزّل من رب العرش العظيم ، لم يجرؤ أحد من المخلوقات ان يد ّعيه ، او يشاركه بهذه القدرة . (( ان هذا لهو حق اليقين ، فسبح باسم ربك العظيم )) . هلا ّ تدبرنا الآيات وما فيها من ارشاد لفعل الخير للإنسانية ؟ ام انه صراع يعيشه الانسان مع ضميره ونفسه ، التي يتلاعب بهما الشيطان ليغويه بسلوك طرق الشر ، مما يؤذي به الآخرين ، ويعطـّل مسيرة الخيـّرين الذين نذروا انفسهم لخدمة الانسانية اولا ً ، ومن ثم لينالوا رضى الله سبحانه ، كي يفوزوا بتلك الامكنة الموصوفة ، وما سيتمتعون به من خيرات . ............... -------------- دمتم بود :أخوكم منصف ---------------- ................. أحبكم في الله