عقوبة الزنا :
أولاً : في الدنيا :
عقوبة الزاني والزانية الرجم إن كانا محصنين ، والجلد والتغريب إن لم يكونا
محصنين ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم من زنا في عصره
وكذلك الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم رجموا من زنا في عصرهم ، وقد تلقى
المسلمون هذا الحكم بالقبول إلى يومنا هذا ،
قال صلى الله عليه وسلم : [ لايحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، وذكر منها
( الثيب الزاني ) . . . ] ( متفق عليه ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : [
إذا ظهر الزنا والربا في قوم فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله ] ( الحاكم وصحح
إسناده ) ،
وقال صلى الله عليه وسلم : [ لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا
فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ] ( ابن
ماجة ) . وقال صلى الله عليه وسلم : [ والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ] (
مسلم وغيره ) .
كيفية الجلد :
اتفق الفقهاء على أن الجلد يكون بسوط معتدل ، ليس رطباً ، ولا شديد اليبوسة
، ولا خفيفاً لا يؤلم ، ولا غليظاً يجرح ، ولا يرفع الضارب يده بحيث يبدو
بياض إبطه ، ويفرق الجلدات على بدنه .
ويتقي المقاتل لأنها مواضع يسرع القتل إلى صاحبها بالضرب عليها ، والقصد من
الحد الردع والزجر لا القتل ، ويجتنب الوجه لأنه أشرف أعضاء الإنسان ومعدن
جمله فلا بد من تجنبه خوفاً من تجريحة وتقبيحة ، قال صلى الله عليه وسلم :
[ إذا ضرب أحدكم فليجنب الوجه ] ( البخاري في الفتح وأحمد ) ، وقال علي
رضي الله عنه للجلاد : [ أعط كل عضو حقه واتق الوجه والمذاكير ] . ويجلد
الرجل قائماً ، والمرأة جالسة وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد .
كيفية الرجم :
إذا كان المرجوم رجلاً أقيم عليه حد الرجم وهو قائم ولم يوثق ولم يحفر له
سواءً ثبت زناه ببينة أو بإقرار ، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء .
أما المرأة فيحفر لها عند الرجم إلى صدرها إن ثبت زناها ببينة ، لئلا تتكشف
عورتها ، ويؤتى بحجارة متوسطة تملأ الكف ، ويضرب المرجوم حتى الموت ، ويخص
بالرجم مقاتل المرجوم ، ويقف الناس صفوفاً كصفوف الصلاة وهذا قول الحنفية ،
وقال الحنابلة : يسن أن يدور الناس حول المرجوم من كل جانب كالدائرة إن
ثبت زناه ببينة ، ولا يسن ذلك إن ثبت زناه بإقرار ، وقال الشافعية : يحيط
الناس به . ( الموسوعة الفقهية زنا ، رجم ، جلد ) .
فمن يطيق أن يفعل به هذا العذاب الأليم ، وهذا العقاب الشديد ، وهذا في
الدنيا أما الآخرة فهي أشد وأبقى { كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها
ليذوقوا العذاب } ( النساء 56 ) .
أم كان له أن ينقذ نفسه من رق العبودية للشهوة والهوى ، ويقي جسده من نار
تلظى . أما كان من الواجب عليك أن تتعظ بما حل بالأمم السالفة ، وما يحصل
من سوء خاتمة لمن بلوا أنفسهم بفاحشة الزنا ممن نعاصرهم .
فاعتبروا يا أولي الأبصار !! .
ثانياً : في القبر :
يوضع الزناة والزواني في تنور ( فرن ) أسفله واسع وأعلاه ضيق ، وتعلق
الزانيات بثديهن وتأتيهم النار من تحتهم وهم يصرخون ويتضأضأون ، ولكن هيهات
هيهات لهم أن يخرجوا ، ففي الحديث الطويل الذي رواه البخاري رحمه الله عن
سمرة بن جندب رضي الله عنه قال :
[ . . . وإنه قال لنا ( النبي صلى الله عليه وسلم ) ذات غداة : " إنه أتاني
الليلة آتيان ، وإنهما قالا لي انطلق ، وإني انطلقت معهما ، . . . ،
فانطلقنا فأتينا على مثل التنور فأحسب أنه قال فإذا فيه لغط وأصوات ،
فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة ،
وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا ، قلت ما
هؤلاء ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، . . . ، إلى أن قال : فإني رأيت الليلة
عجباً ؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي : أما إنا سنخبرك : إلى أن قال :
وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل التنور فإنهم الزناة والزواني ]
وهذا هو مصيرهم في القبورإلى قيام الساعة ، والساعة أدهى وأمرّ .
فهل من توبة ؟ وهل من عودة إلى الله سبحانه وتعالى ؟ وهل من معتبر ؟
ثالثاً : في الآخرة :
قال صلى الله عليه وسلم :[ ثلاثة لايكلمهم الله ولاينظر إليهم يوم القيامة
ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم : وذكر منهم : شيخ زان ] ( مسلم وأحمد والنسائي
) .
فمن لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ، فمن ينظر في حاجته يوم
القيامة ، فياله من موقف عصيب وشديد ، موقف وضع الزناة والزواني أنفسهم فيه
بمحض إرادتهم ، فمن لم ينظر الله إليه فعاقبته وخيمة ، وخاتمته سيئة ، ومن
لم ينظر الله إليه فأين مصيره وأين قراره ؟
هل هو في أعلى عليين ؟ أم في أسفل سافلين ؟ وهل يستوي هؤلاء العصاة مع من
امتثل أوامر الله وأوامر رسوله عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : { أفمن
يُلقى في النار خير أمن يأتي آمناً يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما
تعملون بصير } ( فصلت 40 ) .
وقال تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة
أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها
وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل
مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } ( يونس 26/27 ) .
فالعاصي هو الأعمى يوم القيامة ، وأما المبصر السامع فهو الطائع المتقي ،
الخائف الوجل ، فهذا يمشي بنور الله عزوجل في هذه الحياة الدنيا ويوم
القيامة له الأمن من ربه سبحانه ، قال تعالى : { أوَمن كان ميتاً فأحييناه
وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك
زين للكافرين ما كانوا يعملون } ( الأنعام 122 ) .
وقال تعالى : [ الذي آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم
مهتدون } ( الأنعام 82 ) .
وقال تعالى في شأن العُصاة العُمي يوم القيامة : { ومن أعرض عن ذكري فإن له
معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت
بصيراً * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى } (
طه124/125/126 ) ،
فهؤلاء نسوا الله ، نسوا أوامر الله عز وجل عصوا الله في الخلوة ما تذكروا
الله في الرخاء ، فنسيهم وهم في أشد الحاجة إليه سبحانه تخلى الله عنهم
لأنهم ما عرفوا لله طريقاً ، ما قدروا لله حقاً ، فالله سوف ينساهم في ذلك
اليوم ، الذي يشيب فيه المولود ،
ذلك اليوم الذي يفر فيه المرء من أمه وأبيه وأخيه وصاحبته وبنيه ، ولا
يتذكر إلا نفسه ، يحتاج إلى حسنة فلا يجدها ، فأولئك العصاة من الزواني
والزناة ، لم يتذكروا أن ورائهم موت وسكرة ، وقبر ووحشة ، ومنزل ووحدة ،
ونار تلظى ، لا يصلاها إلا الأشقى ، فيالها من خسارة فادحة ، وندامة وأي
ندامة .
أما من أطاعوا الله جل وعلا ، الذين اتقوا ربهم في السر والعلانية ، فلهم
الجنات بإذن الله رب الأرض والسموات .ولذلك ترتب على فعل فاحشة ( الزنا )
تلك العقوبة الصارمة في الحياة الدنيا ، والقبر ، والآخرة .